أمارة كلس الجنبلاطية والصراع الجنبلاطي العثماني بقلم المؤرخ : برادوست ميتاني
أمارة كلس الجنبلاطية والصراع الجنبلاطي العثماني بقلم المؤرخ : برادوست ميتاني

الكرد في سوريا- منطقة جرابلس -ح١
الجانبولاتيون (الجنبلاطيون)
إمارة كلس المندية الجانبولاتية من 1230م حتى 1607م نموذجاً
تقع مدينة كلس حالياُ في شمال كردستان الملحقة منذ الفترة التي تلت الحرب العالمية الإولى بالدولة التركية إلى الغرب من مدينة كركميش التي تسمى حالياُ جرابلس في غرب كردستان التي لحقت بسوريا أيضاُ بعد الحرب العالمية الإولى .تاريخياً تعود جرابلس إلى الألف الخامس قبل الميلاد .بالعودة إلى أحد أسلاف الكرد الخوريين(الحوريون) 3000ق.م كان اسمها كركميش أي تل الجاموس أو نسبة إلى كلكاميش الأسطوري الذي كتب عنه الخوريون بأبجديتهم الخاصة ملحمة كلكاميش. تبعت 1400 ق.م للهيتيين (الحيثيون)الآريين وصارت عاصمة لهم ومن بعدهم الميتانيين .هذان الشعبان اللذان يشكلان بدورهما إثنين من أسلاف الكرد.
منذئذ لم يغب الكرد عن تلك المنطقة كجزء من روزافايى كردستان بل عاصروا فيها جميع أشكال الحكم وبناء الحضارة بدءاُ بأسلافهم الكاشيين والخوريين والهيتيين والميتانيين والكالتيين والميديين وصولاُ إلى الإمارة الجانبولاتية ,تلك الحضارات التي يستمد الكرد منها بداية وجودهم التاريخي في سوريا :
العاصمة : هي مدينة كلس الواقعة في منطقة عفرين من جهة الشمال.
الإمارة ورقعتها:
تشمل القسم الغربي من روزافا ومساحات واسعة من سوريا ممتدة إلى مناطق من باكور( شمال )كردستان . تضم مدن: العاصمة كلس وإعزاز وجرابلس ومنطقة جبل الكرد وقلعة باسوطة ومدينة عفرين و أحيانا قصير في حمص وكانت اضنة ضمن تلك الجغرافية وأحياناً حلب وحتى مدينة غزة.
-معنى اسم جانبولات في اللغة الكردية
جانبولات اسم كردي مركب من معنيين .جان أي الروح أو النفس – بولات أي الفولاذ . بذلك يكون المعنى الروح الفولاذية.
-الإمراء الجانبولاتيون
يذكر العلامة شرفخانى بدليسي (1) حكام إمراء كلس الجانبولاتيين بالترتيب كما يلي: مند-حبيب بك-قاسم بك-جعفر بك بن جان بولاد بك-حبيب بك بن جان بولاد بك حسين بك بن جان بولاد بك. آخرهم علي بك بن جانبولات بك.
ظهور الجانبولاتيين في التاريخ

يعود تاريخ قدومهم بشكل رئيسي إلى سوريا إلى بدايات القرن الحادي عشر الميلادي من مناطق شمال وجنوب كردستان وينتسبون إلى جدهم مند (منتشا) وهو من عائلة حكام جولمرك وآميديا(2) وهو الذي قاد قوة كردية إلى الشام ودخل في خدمة الأيوبيين وقد اقطع له الأيوبيون أرضاً في منطقة القصير في حمص التابعة حينها لأنطاكيا وقد التف حوله كرد مدن جوم وكلس من المسلمين السنة والايزيديين وقد اثبت الأمير مند كفاءته وجدارته في خدمة الأيوبيين الذين كافأوه بمنصب ميرى ميران (أمير أمراء) كرد الشام وحلب وقد استمر في حكمه حتى مجيء المماليك وقد دخل حينها في صراع مع الايزديين ومن بعده وفي عهد العثمانيين دخل الأمير قاسم في صراع شديد مع شيخ عزالدين رئيس الايزيدية ولكن فيما بعد تخلص منه والي حلب العثماني قرةجة احمد باشا وقتله وارسل إبنه الصغير جانبولات إلى استنبول ليتلقى التربية العسكرية في السراي السلطاني وقد ترك ذلك فراغاً سياسياً في إمارتهم لذلك انتقل بذلك منصب أمير الأمراء إلى شيخ عزالدين.
بعد أن كبر جانبولات رجع إلى الإمارة فعاد الحكم من جديد إلى العائلة حيث اسند السلطان سليمان منصب الامارة في كلس واعزاز إليه ومنذئذ حملت العائلة اسم جانبولات (3)
الصراع الجانبولاتي- العثماني
لقد حدثت خلافات بين الكرد والدولة العثمانية خلال الاحتلال العثماني لسورية في مناطق عديدة منها شمال سورية وجبل الكرد بسبب سياسة السلاطين العثمانيين المركزية فبدأت الخلافات بتمرد الجانبولاتيين ( جانبلاطيين ) أيام جدهم الكبير مندو في مدينة كلس في شمال سورية واستمرت خلال فترة الإمارة التي دامت من 1230م حتى 1607م عندما انهارت في عهد علي جانبلات.
كان الأمير حسين بن جانبولات في عهد الوالي جغالة زادة سنان باشا بكلربكا على ايالة حلب من قبل الصدر الأعظم ولكن الأخير اخذ يضمر الشر له لأنه لم يشاركه في الحرب مع الصفويين في ايران لذا عندما هزم في حرب تبريز انتقم منه وقتله.
عندما سمع أخوه علي باشا جانبولات نبأ مقتله جمع جيشاً في حلب ومناطق سيطرته في القسم الغربي من روزافا ثم زحف على طرابلس وسيطر عليها واغار على قرى الشام ,فعلى شأنه في تلك البقاع واسس حكما مستقلا ساعده في تكوين جيش كبير وقام بسك النقود باسمه ومنع أموال الميرة عن العثمانيين .تطوع حاكم عكا وبلاد طرابلس يوسف آل سيفا -الذي هو كردي أيضاً – لقتال علي لكنه هزم في معركة 24 تموز 1606م وفرمن دمشق بحراً الى مدينة حيفا بعد أن دفع للدمشقيين لقاء هربه مبلغ مئة الف قرش .بذلك النصر لعلي باشا جانبولات ازداد نفوذه وانتشر صيته فعقد في 1607م معاهدة مع الارشيدوق فرديناند ملك توسكانا الإيطالية كما حاول عقد مثلها مع عدة حكومات .حينها كان فخرالدين المعني الثاني ثائراً على العثمانيين وقد جمع ذلك الإثنان على الثورة ضد العثمانيين لذلك تحالف علي باشا مع فخرالدين معني في جبل لبنان بوساطة احد كبار انكشارية دمشق وصديق فخر الدين الذي هو كيوان الكردي.اراد الاثنان تحرير دمشق فحاصراها . ولكن بعض أعيان دمشق خرجوا للتفاوض مع علي باشا جانبولات فدفع الدمشقيون لعلي باشا مبلغ مئة الف قرش وهو المبلغ الذي دفعه يوسف باشا للدمشقيين مقابل تهريبهم له وخلاصه من قبضة علي باشا جانبولات ومن ثم تم الصلح بينه وبين الدمشقيين.
أن سبب تراجع علي باشا عن السيطرة على دمشق علماً أن مسألة دخولها كانت سهلت عليه.يقول في ذلك المؤرخ الحسن بن محمد البوريني(4): لا شك أن فتح دمشق ستكون له مضاعفات سياسية في الدولة العثمانية والأهم من ذلك فان احتلال دمشق سيبعده عن مركز قوته في منطقة كلس وحلب كما أن حليفه فخر الدين المعني لا يريد لحليفه أن يستلم حكم ولاية الشام لأنه سيكون هو تابعا له بصفته امير الشوف والبقاع و صفد التي كانت تابعة لولاية الشام .
وضع الصدر الأعظم قويوجي مراد بك قائداً على جيش ضخم لمحاربة ابن جانبولات يضم فيه أربعين الفاً كردياً من كرد دلقادر بقيادة ذوالفقار باشا حينها كان الجيش الكردي بقيادة علي باشا يتألف من عشرين الف خيالة ومثله من المشاة وكان معسكراً في مضيق بغراس وهو ينتظر قدوم الجيش العثماني ولكن القويوجي مراد باشا خشي من الاصطدام والهزيمة مع الجيش الكردي في ذلك الموقع الذي رآه غير مناسباً لمنازلته فتوجه إلى مضيق أرسلان بلي محاطاً جيشه على جيش ابن جانبولات ثم التقى الجيشان في سهل اورج في 24 اكتوير 1607م وكانت نتيجة المعركة هلاك نصف جيش إبن جانبولات وانسحابه إلى حلب ولكنه بعد ذلك فقد الثقة بمواجهة العثمانيين وربما سبب ذلك هو رؤيته لأربعين ألف كردياً يحاربون ضده في صفوف الأعداء , لذلك سافر مستسلماً إلى استنبول فعفى عنه السلطان أحمد وعينه بكلربكا على إيالة تمشوار(5) وأدخل أخاه الصغير إلى المدرسة السلطانية الخاصة داخل السراي .بعد أن أبعد العائلة الجانبولاتية من حكم إمارة كلس واسنادها إلى كرد آخرين .
كانت نهاية الأمير علي باشا جانبولات على يد أحد المندسين الذي ارسله القويوجي مراد باشا الذي غضب من ذلك العفو وأرسل من يقتله غيلة في قلعة بلغراد عندما كان ذاهباً إلى عمله وبذلك اسدل الستار عن الامارة الجانبولاتية في غربي روزافا بعد أن استمرت قرابة أربعة قرون وكان مصير العائلة الهجرة والفرار من بطش القويوجي إلى لبنان حيث حلفاؤهم المعنيين الذين يذكرهم العديد من المؤرخين على أنهم كرد أيضاً. وقد لعب الجانبولاتيون منذئذ دوراً كبيراً في لبنان بدءاً من سعيد ورباح وصولاً إلى الآن حيث السياسي وليد جنبلاط رئيس حزب التقدمي الاشتراكي الذي صرح مراراُ اعتزازه بكرديته
المصادر:
1- يذكر كتاب شرفنامة الذي الفه بالفارسية العلامة شرف خان البدليسي وترجمه الى العربية أ . محمد علي عوني وذلك في موضوع تاريخ سلاطين آل عثمان ومعاصرهم من حكام ايران وتوران في ص224
2- أ. مروان بركات –جبل الكرد-عفرين عبر العصور- ص122
3- خلاصة تاريخ كرد وكردستان ج2 ص318-319 العلامة محمد أمين ذكي
4- المؤرخ الحسن بن محمد البوريني في كتابه تراجم الاعيان من أبناء الزمان ج2
5- خلاصة تاريخ كرد وكردستان العلامة محمد أمين ذكي –ج1-ص178
10-5-2025م.20-2-2637 كردي
صدى الواقع السوري VEDENG
شارك الخبر على التواصل الاجتماعي :
إرسال التعليق